الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي الآية تغليب المذكر على المؤنث. وقال أبو المتوكل: أسلم أبوذر ثم أسلمت غفار فقالت قريش ذلك. وقال الكلبي والزجاج: قال ذلك بنو عامر بن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم أسلم وجهينة ومزينة وغفار.وقال الثعلبي: هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وأصحابه منهم. ويلزم عليه القول بأن الآية مدنية وعدها في المستثنيات أوكون {قال} فيها كنادي في قوله تعالى: {ونادى أصحاب الاعراف} [الأعراف: 48] وهذا كما ترى والمعو ل عليه ما تقدم {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} أي بالقرآن. وقيل: بالرسول صلى الله عليه وسلم. و{إِذْ} على ما اختاره جار الله ظرف لمقدر دل عليه السابق واللاحق أي وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم واستكبارهم. وقوله تعالى: {فَسَيَقولونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي يتحقق منهم هذا القول والطعن حينًا فحينًا كما يؤذن بذلك صيغة المضارع مسبب عن العناد والاستكبار. وإذا جاز مثل حينئذ الأن أي كان ذلك حينئذ واسمع الأن بدليل قرينة الحال فهذا أجوز. والإشارة ءلى القرآن العظيم. وقولهم: ذلك فيه كقولهم: {أساطير الأولين} [الأنعام: 25] ولم يجوز أن يكون {فَسَيَقولونَ} عاملًا في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال. وإنما لم يجعله من قبيل {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاغلال} [غافر: 70. 71] نظمًا للمستقبل في سلك المقطوع كما اختاره ابن الحاجب في الأمالي لأن المعنى هاهنا كما في (الكشف) على أن عدم الهداية محقق واقع لا أنه سيقع البتة. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءآمنوا} بعدما بين استكبارهم وعنادهم كيف ينص على أنهم مجادلون معرضون عن القرآن وتدبره غير مهتدين ببشائره ونذره.وقال بعضهم: الظرف معمول لسيقولون والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي. والتسبب المشعرة به عن كفرهم. و{سَيَقولونَ} بمعنى قالوا. والعدو ل إليه للإشعار بالاستمرار.وتعقب بأن ذلك مع السين بعيد. وقيل: إذ تعليلية للقول.وتعقب بأنه معلل كما اذنت به الفاء. وقدر بعضهم العامل المحذوف قالوا ما قالوا. ورجحه على التقدير السابق وليس براجح عليه كما لا يخفى على راجح.{وَمِن قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن وهو خبر مقدم لقوله تعالى: {كِتَابُ موسى} قدم للاهتمام. وجوز الطبرسي كون {كِتَابٌ} معطوفًا على {شَاهِدٌ} [الأحقاف: 10] والظرف فاصل بين العاطف والمعطوف. والمعنى وشهد كتاب موسى من قبله. وجعل ضمير {قَبْلِهِ} للقرآن أيضًا وليس بشيء أصلًا. وقوله سبحانه: {إَمَامًا وَرَحْمَةً} حال من الضمير في الخبر أو من {كِتَابٌ} عند من جوز الحال من المبتدأ. وقيل: حال من محذوف والعامل كذلك أي أنزلناه إمامًا وهو كما ترى.والمعنى وكائن من قبله كتاب موسى يقتصي به في دين الله تعالى وشرائعه كما يقتدي بالإمام ورحمة من الله سبحانه لمن امن به وعمل بموجبه. وقوله تعالى: {وهذا} أي القرآن الذي يقولون في شأنه ما يقولون {كِتَابٌ} مبتدأ خبر. وقوله عز وجل: {مُّصَدّقُ} نعت {كِتَابٌ} وهو مصب الفائدة أي مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة أولما بين يديه من جميع الكتب الإلهية. وقد قرئ {مُّصَدّقٌ لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} والجملة عطف على الجملة قبلها وهي حالية أو مستأنفة. وأيًا ما كان فالكلام رد لقولهم: {هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] وإبطال له. والمعنى كيف يصح كونه إفكًا قديمًا وقد سلموا كتاب موسى والقرآن مصدق له متحد معه في المعنى أولجميع الكتب الإلهية. وقوله تعالى: {لّسَانًا عربيًّا} حال من ضمير {كِتَابٌ} المستتر في {مُّصَدّقُ} أو منه نفسه لتخصيصه بالصفة. وعامله على الأول {مُّصَدّقُ} وعلى الثاني ما في هذا من معنى الفعل. وفائدة هذه الحال مع أن عربيته أمر معلوم لكل أحد الأشعار بالدلالة على أن كونه مصدقًا كما دل على أن حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله تعالى.هذا على القول بأن الكلام مع اليهود ظاهر. وأما على القول بأنه مع كفار مكة فلانهم قد يسلمون التوراة ونحوها من الكتب الإلهية السابقة وإن كانوا أحيانًا ينكرون انزال الكتب وإرسال الرسل عليهم السلام مطلقًا.وفي (الكشف) وجه تقديم الخبر في قوله تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى} أن إرسال الرسل وإنزال الكتب أمر مستمر كائن من عند الله تعالى فمن قبل إنزال القرآن إمامًا ورحمة كان إنزال التوراة كذلك. وليس من تقديم الاختصاص بل لأن العناية والاهتمام بذكره. ولما ألزم الكفار بنزول مثله وشهادة أعلم بني إسرائيل ذكر على سبيل الاعتراض من حال كتاب موسى عليه السلام ما يؤكد كونه من عند الله تعالى وأن ما يطابقه يكون من عنده سبحانه لا محالة وتوصل منه إلى أن القرآن لما كان مصدقه بل مصدق سائر الكتب السماوية وجب أن يؤمن به ويتلقى بالقبول؛ وهو بالحقيقة إعادة للدعوى الأولى على وجه أخصر وأشمل إذ دل فيه على أن كونه مصدقًا كانف شهد شاهد بني إسرائيل أولا. وإن قلي: نزلوا لعنادهم منزلة من لا يعرف أن كتاب موسى قبله إذ لوعرفوا وقد تبين أنه مثله لأذعنوا فقيل: {وَمِن قَبْلِهِ} لا من بعده لكان وجهًا موفى فيه حق الاختصاص كما اثره السكاكي من أنه لازم التقديم انتهى.وهو ظاهر في أن الجملة ليست حالية.وجوز كون {لّسَانًا} مفعولا لمصدق والكلام بتقدير مضاف أي ذا لسان عربي وهو النبي عليه الصلاة والسلام وتصديقه إياه بموافقته كتاب موسى أو الكتب السماوية مطلقًا وإعجازه. وجوز على المفعولية كون {هذا} إشارة إلى كتاب موسى فلا يحتاج إلى تقدير مضاف. ويراد بلسانًا عربيًّا القرآن. ووضعت الإشارة موضع الضمير للتعظيم. والأصل وهو مصدق لسانًا عربيًّا. وقيل: هو منصوب بنزع الخافض أي مصدق بلسان عربي والكل كما ترى.وقرأ الكلبي {وَمِن قَبْلِهِ} بفتح الميم {كِتَابُ موسى} بالنصب. وخرجت على أن من موصولة معمولة لفعل مقدر وكذا {كِتَابٌ} أي وآتينا الذين كانوا قبل نزول القرآن من بني إسرائيل كتاب موسى.{لّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ} متعلق بمصدق وفيه ضمير لكتاب أولله تعالى أوللرسول عليه الصلاة والسلام. ويؤيد الأخير قراءة أبي رجاء. وشيبة. والأعرج. وأبي جعفر. وابن عامر. ونافع. وابن كثير في رواية {لّتُنذِرَ} بتاء الخطاب فإنه لا يصح بدون تكلف لغير الرسول. والتعليل صحيح على الكل. ولا يتوهم لزوم حذف اللام على أن الضمير للكتاب لوجود شرط النصب لأنه شرط الجواز {وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} عطف على المصدر الحاصل من أن والفعل. وقال الزمخشري: وتبعه أبو البقاء هو في محل النصب معطوف على محل {لّيُنذِرَ} لأنه مفعول له. وزعم أبو حيان أن ذلك لا يجوز على الصحيح من مذهب النحويين لأن المحل ليس بحق الأصالة وهم يشترطون في الحمل عليه ذلك إذ الأصل في المفعول له الجر. والنصب ناشيء من نزع الخافض لكنه كثر بشرطه. وحكى في إعرابه أوجهًا فقال: قيل معطوف على {مُّصَدّقُ} وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي هو بشرى. وقيل: منصوب بفعل محذوف معطوف على {ينذر} أي ويبشر بشرى. وقيل: منصوب بنزع الخافض أي و لبشرى. والظاهر أن {وَسَنَزِيدُ المحسنين} في مقابلة {الذين ظَلَمُواْ} والمراد بالأول الكفرة وبالثاني المؤمنين.وفي (شرح الطيبي) إنما عدل عن العادلين إلى {المحسنين} ليكون ذريعة إلى البشارة بنفي الخوف والحزن لمن قالوا: ربنا الله ثم استقاموا. وقيل: {المحسنين} دون الذين أحسنوا بعد قوله تعالى: {الذين ظَلَمُواْ} ليكون المعنى لينذر الذين وجد منهم الظلم ويبشر الذين ثبتوا واستقاموا على الصراط السوي فيناسب تعليل البشارة بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)}. اهـ.
.قال الشنقيطي: قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل}.الأظهر في قوله: {بدعا} أنه فعل بمعنى المفعول فهو بمعنى مبتدع. والمبتدع هو الذي أبدع على غير مثال سابق.ومعنى الآية قل لهم يا نبي الله: ما كنت أول رسول أرسل إلي البشر. بل قد أرسل الله قبلي جميع الرسل إلى البشر. فلا وجه لاستبعادكم رسالتي. واستنكاركم إياها. لأن الله أرسل قبلي رسلًا كثيرة.وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة. جاء موضحًا في آيات كثيرة. كقوله تعالى: {ولقد أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] وقوله تعالى: {ولقد أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إلى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بالبينات} [الروم: 47] الآية.وقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ} [النساء: 163] الآية.وقوله تعالى: {حمعاساقا كَذَلِكَ يوحي إلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم} [الشورى: 1- 3] وقوله تعالى: {مَّا يُقال لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43] الآية.وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رسول قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل} [ال عمران: 144] الآية.وقوله تعالى: {ولقد كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: 34] الآية. الآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.قوله تعالى: {أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}.التحقيق إن شاء الله. أن معنى الآية الكريمة. ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا. فما أدري أأخرج من مسقط رأسى أوأقتل كما فعل ببعض الأنبياء.وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة.وما أدري ما يفعل بكم أيخسف بكم. أوتنزل عليكم حجارة من السماء. ونحوذلك.وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين.وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {ولوكُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِيَ السواء} [الأعراف: 188] الآية.قوله تعالى امرًا له صلى الله عليه وسلم: {قُل لاَّ أَقول لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب} [الأنعام: 50] الآية.وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عباس وأنس وغيرهما من أن المراد. {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق. كما سترى إيضاحه إن شاء الله.فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن في أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق. كما سترى إيضاحه إن شاء الله.فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن في أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} فرح المشركون واليهود والمنافقون. وقالوا: كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا. ولولا أنه ابتدع الذي يقوله. من عند نفسه. لأخبره الذي بعثه بما يفعل به.فنزلت {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] فنسخت هذه الآية.وقالت الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله. لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا ما هو فاعل بنا.فنزلت {لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [الفتح: 5] الآية. ونزلت: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلًا كِبِيرًا} [الأحزاب: 47].فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق. وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهل مصيره يوم القيامة لعصمته صلوات الله وسلامه عليه: وقد قال له الله تعالى: {وللاخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى ولسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 4- 5] وأن قوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} في أمور الدنيا كما قدمنا. فإن قيل: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم العلاء الأنصاريه ما يدل على أن قوله: {يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} أي في الآخرة فإن حديثها في قصة وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه عندهم. ودخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. أنها قالت: رحمة الله عليك. أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل تعنى عثمان بن مظعون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه؟» فقلت: لا أدري بأي أنت وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير. والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي» الحديث.فالجواب هو ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله. فقد قال في تفسير هذه الآية الكريمة. بعد أن ساق حديث أم العلاء المذكور بالسند الذي رواه به أحمد رحمه الله انفرد به البخاري دون مسلم. وفى لفظ له «ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل به». وهذا أِبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك اه محل الغرض منه وهو الصواب إن شاء الله. والعلم عند الله تعالى.قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ}.جواب الشرط في هذه الآية محذوف.وأظهر الأقوال في تقديره إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به. وجحدتموه فأنتم ضلال ظالمون. وكون جزاء الشرط في هذه الآية كونهم ضالين ظالمين بينه قوله تعالى في آخر فصلت: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هو فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت 52]. وقوله في آية الأحقاف هذه {فآمن واستكبرتم إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}.وقال أبو حيان في البحر: مفعولا أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما.والتقدير: أرأيتم حالكم. إن كان كذا ألستم ظالمين.فالأول حالكم. والثاني ألستم ظالمين. وجواب الشرط محذوف أي فقد ظلمتم.و لذلك جاء فعل الشرط ماضيًا.وبعض العلماء يقول: إن {أَرَءَيْتُمْ} بمعنى أخبرني. والعلم عند الله تعالى.قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ}.التحقيق: إن شاء الله. أن هذه الآية الكريمة جارية على أسلوب عرب معروف. وهو إطلاق المثل. على الذات نفسها. كقولهم: مثلك. لا يفعل هذا. يعنون لا ينبغي لك أنت أن تفعله.وعلى هذا فالمعنى. وشهد شاهد من بني إسرائيل على أن هذا القرآن. وحي منزل حقًا من عند الله. لا أنه شهد على شئ آخر مماثل له.و لذا قال تعالى: {فآمن واستكبرتم}.ومما يوضح هذا. تكرر إطلاق المثل في القرآن مرادًا به الذات كقوله تعالى: {أو من كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} [الأنعام: 122] الآية.فقوله: كمن مثله في الظلمات. أي كمن هو نفسه في الظلمات. وقوله تعالى: {فَإِنْ آمنوا بِمِثْلِ مَا امَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتدوا} [البقرة: 137] أي فإن آمنوا بما امنتم به لا بشىء آخر مماثل له على التحقيق.ويستأنس له بالقرءة المروية عن ابن عباس وابن مسعود {فَإِنْ آمنوا بِمِثْلِ مَا امَنْتُمْ بِهِ} الآية.والقول بأن لفظة ما في الآية مصدرية. وأن المراد تشبيه الآيمان بالإيمان. أي فإن آمنوا بإيمان مثل إيمانكم فقد اهتدوا لا يخفى بعده.والشاهد في الآية هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه كما قال الجمهور. وعليه فهذه الآية مدنية في سورة مكية.
|